بقلم أبومعاذ نزار
عندما نغوص بين الحين والآخر في أعماق التراث اليمني بحثا عن كنوز الموروث الشعبي والتراث اليمني .
وفي كل مره نغوص فيها فمن الطبيعي أن نجد اصناف وانواع التراث البديع.
وكثيرا ما نجد قصيدة تجذبنا اليها اكثر من غيرها ربما لانها تتوافق مع ما نبحث عنه او لانها تفرض نفسها بقوه كلماتها وحلاوه معانيها ويضاف الى ذلك الاداء المتميز للفنان الذي يتولى رسم هذه اللوحة بطريقة فريده ويخرجها بصورة رائعة .
وليس بالضرورة أن يكون وراء كل فنان عظيم شاعر مبدع ولا وراء كل شاعر كبير فنان مبدع .
فالشاعر الكبير يكون كبيرا ومبدعا وعظيما سوا وجد فنان يترجم قصائدة بالحان رائعه او لم يوجد كما أن الفنان يكون مبدعا وعملاقا وفنانا بذاته لا بشاعر محدد . ولايوجد فنان واحد اكتفى بشاعر واحد ابدا والعكس صحيح .
ولكن في بعض الاحيان يتشكل ثنائي متميز من شاعر عملاق وفنان مبدع فيكون الانتاج متميزا ورائعا. .
والشاعر محمد بن عبدالرحمن كوكبان هو احد عمالقة التراث اليمني .
ولد عام 1889 في مدينة صنعاء من أسرة اشتهرت بالعلم والأدب والشعر. درس علوم اللغة العربية وعلوم وأصول الدين الإسلامي. جالس الشعراء فتأثر بهم. وهو يعد من أشهر شعراء الغناء الصنعاني. أجاد الشعر الحميني والحكمي. وأجاد كذلك العزف على آلة العود.
ومن اجمل قصائده الغنائية التي اشتهرت ( غناء وانشادا ) قصيده ( المعنى الكوكباني ) .
وهناك قصيده اخرى رائعه هي بعنوان ( سلام يامن سكن إب الغروب ) .
ويبدو من خلال القاء نظرة سريعه على هذه القصيدة انها تحكي قصة ( فراق ) يعاني منها الشاعر وفي كل بيت نجد الشكوى والمعاناه والحال الذي وصل اليه نتيجة هذا الفراق .
ولم يذكر اسم حبيبتة ابدا لا صراحة ولا تلميح وانما اسماها من ( سكن إب الغروب) ويرسل اليها ( سلام )
الشاعر يحكي لنا بطريقه غير مباشره
قصة ( فراق ) بينه وبين محبوبته
ومن خلال أبيات القصيده يتضح أن الشاعر في صنعاء وحبيبته في إب !!!
يبعث اليها ( سلام. ) وبطريقة غير مباشره يضمن هذا ( السلام ) وصف الحاله التي وصل اليها نتيجه لهذا الفراق !!! فيذكر كلمة ( سلام ) خمس مرات في القصيدة . وفي كل مره يضمنها وصف وكلام وشكوى !!!
البداية يبعث سلام ويحدد فيه مكان ( الاقامه ) السابقة والحالية !!!!
فهي الآن تسكن في ( إب الغروب )
بعد أن كان محل الاقامة السابق ( من بعد ماكان في قلبي مقيم ) !!!
ثم ( سلام ) ويصف حالته ( صب قد قاسى كروب ) !!!
( سلام ) من القلب الذي لايستطيع تحمل
كل هذا الحسن والجمال فيذوب سريعا!!!!
ثم ( سلام ) ويضمن هذا السلام ( وصف لها ) !! ( مايس القد القويم )
ثم ( سلام ) الاخيره فيها ( قسم ) يحلف الايمان انه لن يتخلى عنها وعن حبها وحتى أن كان في ذلك ( ذنوب ) فلن يتوب ابدا حتى من سماع صوتها الرخيم !!!!
بعد أن يبعث بالسلام يصل الى الهدف الحقيقي او الى ( خلاصة ) مايريد قوله !!
فيقول ( وبعد ). مثلما يقال في كتابه الرسالة بعد السلام والتحية يقال
( اما بعد ) !!!!
وبعد قلي متى نحوي تأوب
هل عاد مرادك لمئواك القديم !!!!
خلاصة الكلام يقول متى ستعود لي؟؟؟
هل لاتزال لديك رغبه في مكان اقامتك السابق ( بعد ماكان في قلبي مقيم )
ثم يجيب نفسه بالنيابه عنها ولاينتظر اجابتها فيقول ( اظن لك في البقاء هذا رغوب ما اظن قلبك من العشقه سليم )
اظن انك لاتزال ترغب في البقاء في قلبي ولا اظن أن قلبك ( سليما معافا ) من اعراض واوجاع ( العشق ) !!!!
ثم يواصل قائلا
اما اذا اردت أن تعرف حالتي من بعدك
فالموت اهون وحتى الحروب وضربات المدافع اهون عليا من أن تبعد عني او تجافيني ايها الخل الوسيم !!!
ثم يصفها ويذكر اهم ما يميزها فيقول(
خدها الوردي وليس فيها اي عيوب)
ثم يستدرك وكانه تذكر عيوب ؟؟؟؟
( الا طريفه فهو ساحر سقيم )
حتى العيب الذي فيها هو جمال وسحر طرفها و( طريفه ) تصغير لكلمة ( طرف )
وهي العين !!!!
ثم يصل الى مربط الفرس ويوضح ما هي القضية والحكاية والمشكلة ؟؟؟؟
فهو يعاني من هجران الحبيبه وليس الامر فراق ناتج عن ظروف قهريه !!!
ورغم هذا الهجر فهو لايريد البوح به حتى لا يشمت فيه العذال والحساد فيقول
( شربت أنا كأس هجرانه شروب وقلت للعاذلين أنه طعيم ) !!!!!!!
ولان المسافه بعيدة ولايوجد في ذلك الوقت وسائل الاتصالات !! لكنه يحاول بكل الوسائل متابعة ومعرفة اخبارها !
فيظل يترقب ويتربص وصول ناس من إب فيسألهم عنها وعن احوالها .
ولان الشاعر في صنعاء وإب تقع جنوب صنعاء فهو يحدد المكان الذي يظل يترقب فيه وصول المسافرين الى صنعاء تحديدا من جهة الجنوب . يقصد جنوب صنعاء !
وكم تطلبت من فوج الجنوب
اخبار واعلام عن ذاك النديم .
وكم تحملت ولازلت من هذا الهجر انواع الخطوب والمصائب !!!
لكن اذا كان هذا قضاء الله وقدره فهو يتوسل الى الله أن يجمعهما في ( الجنة )
على الاقل لا يحرمه منها دنيا وآخرة !!
وكالعاده اضفى عليها الفنان الكبير
( محمد حمود الحارثي )
صوت شجي ولحن رومانسي بديع
فاكتملت هذه اللوحة الغنائية الرائعه !!!
( كلمات القصيدة )
سلام يامن سكن إب الغروب
من بعد ماكان في قلبي مقيم
سلام من صب قد قاسى كروب
ماذاقها قط أيوب من قديم
ودمع عينيه من بعدك سكوب
وفي وسط مهجته نار الجحيم
فالدمع من كثرته يملي غروب
والنار يارب جارك ياكريم
سلام من قلب اسرع مايذوب
إذا رأى الحسن اسرع مايهيم
سلام من قلب مسكين كم يلوب
إذا بدا مايس القد القويم
سلام من صب أقسم مايتوب
من المدامه ومن صوت الرخيم
وبعد قل لي متى نحوي تأوب
هل عاد مرادك لمئواك القديم
أظن لك في البقاء هذا رغوب
ما اظن قلبك من العشقه سليم
تعال صف ذلك الظبي اللعوب
فأنت داري بأحواله عليم
أما أنا فالمدافع والحروب
أهون عليا من جفى الخل الوسيم
مورد الخد معدوم العيوب
الا طريفه فهو ساحر سقيم
آه من الخل كم ينهب قلوب
كل القلوب مالها غيره غريم
شربت أنا كاس هجرانه شروب
وقلت للعاذلين إنه طعيم
وكم تطلبت من فوج الجنوب
أخبار واعلام عن ذاك النديم
وكم تحملت أنواع الخطوب
لكنني اسأل الله العظيم
الواحد الفرد علام الغيوب
أن نجتمع بالسلامه في نعيم .
( أبو معاااااذ )
أبو معااااذ


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق